الاثنين، مايو 23، 2011

إلى جنوب لبنان .....خذوني معكم الجزء الاول حكايّة ليست من نسيج خيّالي انها مما اختزنته ذاكرتي من حلو الايّام


يُّصادف يوم الاربعاء 25/5 ذكرى تحرير جنوب لبنان
قبل 35 عاماً وطأت قدمايّ اول مرة ارض الجنوب اللبنانيّ
وفيها ... ومنها للمرة الاولى شممت هواء بلادي ولمحت عيّوني ارض بلادي

إلى جنوب لبنان خذوني معكم........   الجزء الاول

مقدمة
أفرزت حرب اكتوبر 1973 معسكريّن معسكر ينادي بضرورة إستغلال نتائج الحرب والبدء في مفاوضات مع العدو الصهيوني بدعم من امريكا والمعسكر الغربي من اجل توقيع اتفاقية سلام تؤدي الى الاعتراف بالكيان الصهيوني مقابل استعادة (اراض محتلة) عام 1967 وليس كل الاراضي المحتلة وقاد هذا المعسكر الرئيس المصري انور السادات ومن خلفه كل ما كان يُّسمى بالقوى الامبريّاليّة والرجعيّة العربية والمعسكر الاخر الملتزم بتحريركامل التراب الوطني الفلسطيني والعربي المغتصب وتقوده الثورة الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية والمنضوي تحت لواءها كافة الفصائل الفلسطينية المسلحة ومن خلفها كل ما كان يُّسمى بالقوى الوطنية والتقدمية العربية والعالمية وبعض الانظمة العربية وعلى رأسها سوريا والعراق رغم التناحر والتناقض بينهما....
اصبح لبنان بين ساعة وضحاها ساحة للحرب بين المعسكرين وتبيّن للجميع ان المعركة الفاصلة ومواجهة كسر العظم ستكون ساحتها لبنان وبدأ التحشيد من المعسكرين مستغلين ظروف لبنان الداخلية واصطفاف القوى اللبنانية مع المعسكرين وضعف المؤسسة الرسمية اللبنانية عسكريّا وسياسيّا وانقسامها بين المعسكرييّن  ووجود المقاومة الفلسطينية على اراضيها....

الحكايّة 
كنا في الجامعة في بغداد مع بدء دق طبول الحرب في لبنان من خلال المواجهات اليومية والبدء بتطهير المناطق اللبنانية وتقسيمها لصالح كل من المعسكريّن وهنا بدأت فكرة تجهيزنا وتدريبنا لنكون على استعداد كامل للتحرك حين الحاجة وما حصل معنا كان يجري على قدم وساق في معظم الساحات العربية والعالمية.

في العراق كان يوجد معسكر واحد مؤهل للتدريب تابع لحركة فتح قدمته وجهزته الحكومة العراقية وتكفلت الحركة بتدريب جميع الطلبة والمقاتلين بغض النظر عن انتمائاتهم التنظيمية وعلى وجه السرعة بدأ اعتبارا من شتاء 1975 بتنظيم دورات قتالية متقدمة ومكثفة للراغبين في معسكر اعتبرته في وقتها من اكثر المعسكرات كفاءة وقدرة على تأهيل وتخريج المقاتلين
هناك احتفلت بتخرجي للمرة الاولى وحصولي على الشهادة الاولى في حياتي


مرت الايام بسرعة وكانت الامور تتفاقم بسرعة اكبر وكنا نُنهي السنة الدراسية الجامعيّة وكان الجميع يتدارس طرق الامداد الى لبنان وكيف سيتم إمداد الساحة اللبنانية بالسلاح الثقيل والأدوية الموجودة لدى كل التنظيمات في ساحاتها الخارجية والمُقدم من دول وانظمة أخذت على عاتقها دعم المقاومة بغض النظر عن الاسباب والمسببات بألإضافة الى الآلاف من المقاتلين والمتطوعين الجاهزين وعلى مدى الساحات العربية والعالمية ...كان من الصعب ايجاد مسرب آمن خاصة وان الحصار اشتد مع التناقض الحاصل بين المقاومة الفلسطينية واللبنانية من جهة والنظام السوري من جهة اخرى مما أدى الى ان تكون الطرق البرية للإمداد مستحيلة كما الجوية مع إغلاق مطار بيروت كونه كان تحت مرمى نيران كل القوى الصديقة والمعاديّة ولم يبقى امام الجميع الا التفكير بالامداد عن طريق البحر رغم صعوبة ذلك ان لم يكن استحالته خاصة وان المرافئ اللبنانية والمياه الإقليمية اللبنانية تحت سيطرة البوارج الاسرائيلية وميناء بيروت مغلق وتحت سيطرة النيران السورية وقبل كل ذلك اين من الممكن ان يوجد ميناء للتجميع على ساحل المتوسط خاصة وان الاسطول السادس الامريكي يسيطر على المياه الدولية للبحر المتوسط
بدأ القلق والاحباط يدب في معظمنا خاصة وان الايام تمضي ونحن على اهبة الاستعداد للسفر ولكن دون بصيص أمل ولكن اخيرا جاء الخبر اليقين لقد تم ترتيب كل شيء وعلينا التواجد في مطار بغداد عند التاسعة صباحا من يوم الغد 19/7/1976  حيث ستقلنا طائرة  تابعة للخطوط الجوية العراقية من نوع بوينغ 727 الى مطار القاهرة الدولي في رحلة خاصة ومن هناك سيتم نقلنا براً الى ميناء الاسكندرية حيث ينتظرنا مركب قد تم تحميله بالسلاح والعتاد والادوية وهناك سنلتقي المقاتلين والمتطوعين القادمين من دول شمال افريقيا ونُبحر معاً إلى لبنان عبر المتوسط.

القاهرة  ... ؟؟؟ كيف...؟؟؟ ولماذا تقوم بهذا الدور وهي من غردت بعيدة ووحيدة خارج السرب العربي بعد حرب اكتوبر وبدأت في فتح قنوات الاتصال مع العدو الصهيوني بعد ان نسجت علاقات تقارب مع المعسكر الغربي(الامبريالي)في ذلك الوقت متخلية عن علاقاتها الاستراتيجية مع المعسكر الشرقي (الثوري)في ذلك الوقت والداعم لنضال الشعوب لتحررها من نيّر الاستعمار والاستعباد
 
لماذا وافقت القاهرة على تجميعنا هناك وتحميلنا بالغالي والنفيس من على أرضها وهيّ المُبادرة بما عرف لاحقا بمشروع السلام او الاستسلام للعدو الصهيّوني والإدارة الأمريكية المعروفة بمواقفها الداعمة للعدو ولكل أعداء الأمة والشرفاء في العالم هناك روايتان الاولى تحليلية وتقول ان مصر وبعد ان انحسر دورها عربيا ورأت في سوريا خصما لدودا لها فارادت من تجميعنا وتحشيدنا وتسهيل مهمتنا محاولة لإفشال مهمة السوريّين في لبنان وإضعافهم وإفشال مخططاتهم في حصر أوراق القوة بيّدهم لتقويّة موقعهم التفاوضيّ والذي إن حصل سيثبت خطأ وضعف الرؤيّة المصريّة في التفاوض المنفرد أما الرواية الثانيّة وهيّ منقولة أن مبلغاً بالملايّين من الدولارات قد تم تحويله للرئيس السادات مقابل تمريرنا أيّ أنها كانت مجرد صفقة وأنا شخصياً مقتنع أن الروايتان صحيحتان معاً.

في التاسعة صباحاُ كنا نصطف أمام بوابة الطائرة حوالي مائة واربعون من المقاتلين والمتطوعين أغلبنا من طلبة الجامعات ومن كل التنظيمات والفصائل الفلسطينية دون إستثناء ...حضر الى أرض المطار عضويّ القيادة القومية علي غنام وقاسم سلام بالاضافة لقيادات اخرى عراقية وفلسطينية لتوديعنا وقام علي غنام بتسليم كل منا هديّة بإسم الراحل صدام حسين (فالرجل وان كان ما عليّه الكثير فايضا له الكثير )وكان وقتها نائباً للرئيس عبارة عن شنطة يدويّة تحتوي على كلاشنكوف جديد مع العتاد الخاص به  يحمل ختماً على سبطانته عبارة عن كلمة واحدة وحرفيّن (هدية ج ع )  وتعني هديّة من الجيش العراقيّ وكانت  هذه أجمل وأغلى هديّة تلقيتها في حيّاتي لرمزيّتها  ....غادرت الطائرة مطار بغداد وبعد ساعتيّن ونصف كانت تحط في مطار القاهرة الدولي ...ما كُنا نعرفه أننا في مهمة خاصة وسريّة ...ماهيّ إلا دقائق وفُتح باب الطائرة ووصل الدرج المتحرك ووجدنا أنفسنا ننزل الدرج ونرى بأم أعيّننا شرفة ميناء القاهرة الجوي والتي تعودنا ان نراها في الافلام المصرية القديمة وهي ممتلئة بالمستقبلين وهم ينظرون الينا ونحن نحمل حقائبنا التي تحتوي على اسلحتنا الشخصية والتي كان بامكاننا ان نحتل المطار خلال دقائق ...اتجهنا صوب البوابة الرئيسية ونحن لا ندرك ما الذي يحصل واي مهمة سرية تلك التي نقوم بها؟؟؟؟
وما هي الا لحظات حتى احاط بنا ضباط ورجال المخابرات المصرية وطلبوا منا مرافقتهم خارج البوابة وباتجاه ناقلات الجنود التي اقلتنا الى المطار العسكري(مطار الماظة) الملاصق لمطار القاهرة الجوي وهناك جرى تجميعنا وتم افهامنا ببرنامج رحلتنا وما هو المطلوب منا وأخذوا منا  جوازات سفرنا وكافة أوراقنا الثبوتيّة


تم تجميعنا في صالة كبار الزوار في المطار العسكري وقام احد الضباط المصريين بالتعريف عن نفسه وعن رفاقه بأنهم ضباط الارتباط لرحلتنا وانهم معنيّون بالحفاظ على سرية مهمتنا وبأن عملاء الموساد موجودين وبكثرة لذا علينا اتباع التعليمات وعليه سيتم نقلنا ليلا الى ميناء الاسكندرية الحربي عبر الطريق الصحراوي حتى لا تنكشف مهمتنا واعتذروا عما حصل بالمطار حين نزلنا دون تنسيق مسبق حيث أنهم لم ينتبهوا الى وجود شنط السلاح المتشابهة معنا جميعا وكانوا لا يرغبوا بان يشعر اي كان ان تلك الرحلة خاصة ...حصلنا على وجبة سريعة ....سندوتش فول وطعميّة.....وارتحنا قليلا حتى حلول الظلام حيث بدأت الناقلات بالتحرك ونحن على متنها ....كانت لنا فرصة لنرفع المعنويات العاليّة أصلاً من خلال قضاء وقت الرحلة بانشاد الاغاني الوطنية والحماسية خاصة واننا اكتشفنا انه لا يوجد سيارات مصريّة خاصة خلفنا وعلى مرمى نظرنا مما يشير الى ان المصريين قد اغلقوا الطريق خلفنا ومن على مسافة بعيدة عنا
وصلنا الميناء العسكري حوالي منتصف الليل وتم إدخالنا جميعا الى هنجر كبير ومظلم وفارغ وأغلقت الابواب عليّنا ....لم يكن هناك كثير من الوقت لنفكر كيف ننام او اين؟ لذلك افترشنا ارض الهنجر الترابيّة ونمنا الى ان بزغ الفجر وفتحت الابواب وخرجنا لنتنفس هواء الصباح البحري ونرى مدينة الاسكندرية على الجهة المقابلة وحصلنا على وجبة أخرى من سندوتش الفول والطعميّة ورأينا الجنود يُّحملون مركبا يرفع العلم اليوناني السلاح والعتاد والادوية المخزنة هناك واكثر ما راعى انتباهي الاسم الذي يحمله المركب (صانع السلام)...........
PEACE MAKER
نعم هكذا يُصنع السلام في عالم تحكمه شريعة الغاب ... والآن أدرك لماذا فشلت كل مشاريع السلام في المنطقة ولن تنجح ابدا إلا بعودة المركب الصانع للسلام والذي أوقف عن الخدمة منذ زمن طويل
عند الظهر تم تحميلنا على ظهر المركب المخصص لنقل البضائع الخفيفة اي على الدك نحن حوالي الاربعماية من المقاتلين والمتطوعين وأسفلنا ما برفقتنا من سلاح وعتاد وادوية وغادرنا الميناء برفقة طوربيد مصري تابع للبحرية المصرية وعلى ظهره ضباط الارتباط المصريين وتولى قيادة المركب القبطان اليوناني يساعده ضباط من البحرية الفلسطينية وعندما وصلنا حدود المياه الاقليمية المصرية اقترب قارب البحرية المصرية ورمى لنا بشوال تبين لنا لاحقا انه يحتوي على جوازات سفرنا المختومة بختم الدخول الى مصر وغير مختومة بختم الخروج .....التفسير السهل دخلنا بشكل رسمي وقانونيّ وبجوازات سفر حقيقية كما أصر المصريون على ذلك وخرجنا بشكل غير قانوني .....  ( تهريب ) اذا ما تم اكتشافنا.....لاحقا اكتشفنا ان المخابرات المصرية تبرعت مشكورة بارسال صورة عن جواز سفر كل منا الى دولته مع تقرير عن المهمة التي قمنا بها وذلك التزاما بتعليمات وقرارات وزراء الداخلية العرب وهي القرارات الوحيدة التي تصدر عن الجامعة العربية ومؤسساتها وتنفذها الدول العربية.......دخلنا المياه الدولية منتصف النهار اللاهب وبدأ دوار البحر يفعل فعله خاصة وان الامواج تتقاذف المركب شمالا ويمينا ومعظم الشباب لا يعرفون عن سفر البحر شيئا.....

يتبع .... ان شاء الله 
حكايّة ليست من نسيج خيّالي
انها مما اختزنته ذاكرتي من حلو الايّام
 يوسف
22/05/2011


مُهداة الى بنت الجنوب الغاليّة فرح..ابنتي في عالم التدوين         وصاحبة مدونة  Bullet

هناك 10 تعليقات:

  1. احم احم ...لا أعلم عندما قرأت هذه الحكاية الجميلة وأسلوب حضرتك الرائعة أكتشفت انني جاهلة حقيقة في أشياء كثيرة ...بالذات المقاومة اللبنانية وحزب الله.وحتي فتح وحماس..لست أعرف عنهم الإ القليل...أنا مقتنعة أن الصهاينة ...يجب ان ننفذ معهم (ما أخذ بالقوة لا يسترد الإ بالقوة) يبدو أن حضرتك ذهبت إلي أجزاء كثيرة من الوطن العربي ,شيء جميل .أتمني أن تكمل ما شرعت فيه ..استمتعت كثيراا بالقراءة .

    ردحذف
  2. يوسف باشا، صفحات من تاريخنا لا تُروى على مستوى واسع، أظن أن هذا الإدراج من أهم ما قرأت خلال العامين الماضيين، أنا في انتظار التتمة على أحر من الجمر.

    شايف كيف العلاقات الوثيقة بين الأشقاء و التعاون المثمر بينهم، "... المخابرات المصرية تبرعت مشكورة بارسال صورة عن جواز سفر كل منا الى دولته مع تقرير عن المهمة التي قمنا بها وذلك التزاما بتعليمات وقرارات وزراء الداخلية العرب..."

    ردحذف
  3. دائما ً كلامك مزيج حلو بين التحليل المنطقي و العواطف الجياشة أخي يوسف، أشكرك

    ردحذف
  4. ذكرتني بكتاب يحمل عنوان "غضب الله" لصحفي بريطاني يحكي عن وقائع الحرب في لبنان وموثق بالصور في الفترة المذكورة هون وفي حرب 1982.. كل ما أذكر أو حدا يذكرني بهذه الفترة من تاريخ لبنان كل الصور في الكتاب تتسارع إلى ذهني... ننتظر قراءة المزيد منك ان شاء الله

    ردحذف
  5. Waiting, anxiously to hear the rest of the story. Allah y2aweek o ya3teek ese7a.
    Nilly

    ردحذف
  6. يسرني ان أقرأ عن مَنْ صنعوا الثورة

    وغرسوا فينا المقاومة وحب الوطن

    أنتم الرصاصة الأولى التي انطلقت لحماية الوطن

    ونحن من خلفكم سنسير إلى النصر والوطن

    في الانتظار

    تحيتي

    ردحذف
  7. لكل الشعوب وطن يعيشون فيه إلا نحن لنا وطن يعيش فينا .. ربنا يصبركم اخوتنا في الشتات على فراق الوطن الغالي ..
    ويارب ماتطولش الغيبة اكثر من هيك ..

    تحياتي معطرة برائحة الليمون والزيتون الاخضر ..

    ردحذف
  8. من بغداد الى القاهره الى الاسكندريه ومن ثم بحراً الى جنوب لبنان!!!....كان لازم يخلوكم تلفوا حول راس الرجاء الصالح بالمره....

    تهريب!!!ليه؟؟؟
    خايفين اسرائيل تكتشف الخيانه وتزعل عليهم؟

    ردحذف
  9. مساء الخير لكم جميعا

    واعتذر ان تأخرت في الرد عليكم

    اشكركم جميعا على وجودكم معي

    وسارد على تعليقاتكم ان شاء الله لاحقا

    بعد ان انشر الليلة متأخرا الجزء الثاني

    دمتم بخيّر

    ردحذف