الأربعاء، ديسمبر 19، 2012

تل الزعتر .... شاهدٌ اخر على إيماننا بحق العودة

1-
مخيم تل الزعتر هو مخيم لجوء فلسطيني، يقع شرقي بيروت، وأنشئ عام 1949 م، بمساحة 56.65 دونم، وقد أُزيل عن الوجود خلال الحرب الأهلية.حيث وقعت اشتباكات عنيفة و شرسة بين( قوات اليمين اللبناني المسيحي ضد مسلحين الفصائل الفلسطينية المتمركزين في المخيم) حيث أحيط المخيم ب مسلحين اليمين اللبناني وتعرض المخيم لقصف شديد على يد قوات اليمين اللبناني المسيحي وحصار دام ل 52 يوم واستطاع المسلحين الفلسطينيين الخروج من المخيم عن طريق الغابات، وعندما بدأ الناس يموتون عطشاً، استسلموا ووافقوا على الجلاء، ثم سوت البلدوزرات المخيم بالأرض. يقدر عدد القتلى بحوالي 2000 قتيل من المدنيين الفلسطينيين
مذبحة تل الزعتر مذبحة حصلت في 12 أغسطس عام 1976 خلال الحرب الأهلية اللبنانية في مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين الذي كان يضم ما بين 50000 و60000 من الفلسطينيين والواقع شمال شرق العاصمة اللبنانية بيروت.
قام بهاالميليشيات اللبنانية اليمينية بحق اللاجئين الفلسطينيين في مخيم تل الزعتر في لبنان (شرق بيروت) وراح ضحيتها ما يقدر ب 2000 إلى 3000 فلسطيني حيث تَمَّت إبادة جماعية لسكان المخيم بعد أن تم قطع الماء والكهرباء والطعام لعدة أيام عن المخيم قبل المذبحة مما سهل الأمر على الجيش السوري وبعض المليشيات اليمينية اللبنانية المتعاونة معهم من تحقيق هدفها والقضاء على المقاتلين المتحصنين بالمخيم وأهاليهم بالكامل.
عن موسوعة الويكيديّا

 2-
تل الزعتر: الرواية غير المحكية

تل الزعتر محطة من محطات كثيرة في تاريخ اللجوء الفلسطيني التي لم تحظ بالبحث والتوثيق الكافيين لحفظها. ولو حاولنا مقارنة مجزرة تل الزعتر بسواها من المجازر لوجدنا، إضافة الى الأهداف والمنفذين، سمة مشتركة أخرى بينها وهي «الافلات من العقاب». وعندما يمر المرء بالطريق العام المحاذي لتل الزعتر اليوم فلا شيء يدل على وجود حياة سابقة هناك. منطقة وعرة تنتشر فيها بعض المصانع وصمت ورهبة يطبقان على المكان. هنا سفكت دماء بريئة ببرودة أعصاب، واغتصبت نساء وأذل الشيوخ على مرأى من أبنائهم، ولا يزال المجرمون طلقاء يجولون بيننا.
في 12 آب 1976 تحوّل تل الزعتر الى أسطورة تتناقلها المخيمات كلها. مَن لا يعرف أبو أحمد الزعتر، ومن لم يسمع بقصة البئر ومدرسة الدكوانة وأبو الفدا؟
قصة حسين عيادي (71 عاما) ابن مدينة حيفا الذي انتهى في مخيم نهر البارد المنكوب حديثا تلخص قسوة اللجوء ومرارته. يقول عيادي انه لم ير يوما هنيئا في لبنان. ويصر حين يُسأل عن تل الزعتر أو عن نهر البارد أن يبدأ قصته من حيفا التي غادرها وهو في السابعة:
«يوم ضربت الطائرات حيفا، كنت أشوف الناس تركض وأسمع الضرب، ومن يومها ما هدي بالنا، اخذتنا إمي على عكا، وهناك اغارت علينا الطيارات، فهربت إمي فينا على شعب. وبعد شهر هاجم اليهود قرية البروة القريبة من شعب».
تابع أفراد عائلة عيادي طريقهم الى الدامون، وهناك أيضا طاردتهم طائرات اليهود فهربوا الى قرية حرفيش الدرزية. بقي حسين مع أمه في كروم الزيتون من دون طعام أو ماء، ولم يلبث أن غادر مع أمه الى الحدود اللبنانية. ثم نقلوا إلى منطقة المسلخ، واستأجروا كوخا عاشوا فيه شهراً الى أن نقلتهم الأونروا الى تل الزعتر.
تبدأ رحلة حسين عيادي من مخيم تل الزعتر، فيروي:
«نقلونا على تل الزعتر في شوادر. كان وقتها أول الشتوية، والوحل للركب، أرض حمرا والهواء يطيّر الشوادر. يعني طلّعونا من مرض جينا على مرض ثاني. وما شفنا يوم هني. قعدنا ست شهور بالشوادر. وبعدين في بداية الصيف بدأ الدرك ينقل الناس الى داخل المخيم. وقعدونا بغرف تنك. يعني من تحت الدلفة لتحت المزراب: تسكر الباب، بالليل الهوا يطيّروا ما تلقى باب. وشغل ما في...».
يتابع حسين قصته:
«التنكة تصير تدلف بالليل نيجي نغيّرها، يجيلنا الدرك. تغيير تنكة بدها استدعاء»؟
لكن مضايقات المكتب الثاني لم تتوقف عند هذا الحد، بل كان عناصر هذا المكتب يجولون بين بيوت المخيم ويترصدون من يستمع الى اذاعة صوت العرب أو اولئك الذين يستمعون إلى خطابات جمال عبد الناصر فيعتقلونهم.
تقول آمنة الشمس (مواليد سنة 1955):
«دق المسمار كان يكلف سجن، واذا مَرَه شطفت البيت وكبت المي على الطريق، يغرمها الدرك خمس ليرات».

هذا ما فعلوه في تل الزعتر
واستمر هذا التضييق حتى أوائل السبعينيات من القرن المنصرم حين تنفس أهالي تل الزعتر الصعداء مثل أهالي المخيمات الأخرى، وبدأت مرحلة جديدة عنوانها الأمل بتحرير فلسطين. وسرعان ما صار في إمكان اللاجئين العمل في داخل المخيم وتمتعوا بالتخلص من سقوف التنك وبناء البيوت من حجر. وتضيف آمنه ان امها سمّت طفلتها الجديدة كفاح:
«صرنا نغني لفلسطين بحرية، وبتذكر يوم توفي عبد الناصر شعرت بضياع الأمل، وطلعنا مسيرة عالنبعة. بس لحقنا الدرك. كنا نغني ونهتف:
وين رايح يا جمال... تاركنا بساحة القتال
بعمان الدم سايل والضحايا تلال تلال
ليه ما كفيت المسيرة وفلسطين بعدها أسيرة».
لم تخلُ هذه المرحلة من المشكلات، فقد شهدت صعود اليسار بين الطلبة الفلسطينيين، وإقامة معسكرات التدريب في سوريا والأردن، وألهبت العمليات الفدائية الأولى حماسة الشبان الذين انخرطوا في صفوف المقاومة. وفي هذه الاثناء بدأت المناوشات بين عناصر من الكتائب والجيش اللبناني من جهة والمقاومة الفلسطينية من جهة أخرى، وقُصف مخيم تل الزعتر بالمدفعية أول مرة في حودث أيار 1973.
كان حسين عيادي من بين اولئك الذين ذهبوا إلى الاحتفال المركزي في الملعب البلدي، لكنه تخلف عن العودة في الباصات لشراء بعض الحاجات من ساحة البرج. وتذكر آمنة انها كانت مدعوة مع كثير من الأهالي الى عرس جارهم محمد كروم، وقد ألغي العرس وتحول المخيم الى قاعة عزاء كبيرة جراء عدد الضحايا الذين سقطوا في مجزرة الباص في عين الرمانة. ويصف حسين عيادي الحصار كالتالي:
«تحاصرنا، اللي يطلع ما يقدر يرجع، واللي يفوت ما يقدر يطلع. امتد الحصار شهرين ونحن نتنقل من ملجأ لملجأ. وصار في جرب في الملاجئ. والقذائف زي المطر، فجأة هبت الحرب على المخيم. صارت القذائف تنزل على البيوت، وصار البقاء على قيد الحياة مقاومة عسيرة بعدما نفد الخبز والماء من المنازل». ويروي حسين عيادي بعض ابتكارات الأهالي في تأمين الحاجات الأساسية كالخبز والماء والتبغ فيقول:
«كنا نلف الدخان بورق دوالي، والشاي كنا نلفه دخان بورق أكياس الترابة، لان ورق كيس الترابه فيو زيت، واستنتجنا انو السيجارة بتظلها سايقة (يطول اشتعالها). أكل ما في. في عنا مخزن عدس في تل الزعتر، كنا نسلقه سليق بدون ملح أو زيت فقط سليق ونأكله. بعض الناس صاروا يطحنوه ويعملوه خبز، مع انه مر بس حتى ناكل... كان واحد عنده نص غرفة مليانة تمر، كنا ندور وين في خبز عشان نطعمي الأولاد، يوم رحت عنده فما لقيته، خلعت الباب ولقيت 12 كيس تمر. أخذت واحد وحطيتو على كتفي وسكرت الباب وطلعت. رحت عالملجأ. الناس مش شاربة شاي من شهرين. لما فتت وزعنا لشي عشر عيل شوية تمر، وقلتلهم اليوم بدكم تشربو شاي! قالوا من وين؟ لا في شاي ولا سكر! قلتلهم هاي حبة التمر بتحطوها بتمكم وبتشربو الشاي. وقعدنا اسبوع نشرب شاي مع التمر. مرتي كانت تشتغل بفرن لفتح، يطلعلها نص رغيف، كنا نقسمو بين أربع ولاد، كل واحد لقمة. في يوم قلتلها يا إم عادل الولاد رح يموتوا. مرة أخوي أحمد عندو بنت كانت بالجبهة، قلها جيبيلنا شوية خبز حتى تاكلوا. ما راحت والا قالولنا إنضربت عالطريق. رحت جبتها أنا ومرتي ودفناها دغري. ما راحت عالبيت: في متجر حد الفرن، بحشنالها شي نص متر ودفناها».
نفد الأكل والماء وحتى ذخائر المقاتلين المدافعين عن المخيم. القتلى يسقطون بالعشرات وامتلأت الملاجئ بالتوابيت، وبات هم الأهالي كيفية انقاذ الأطفال. انقطع التواصل مع الخارج، وبات المخيم أشبه بجزيرة لا يأتيه من الخارج إلا القذائف. كان الحصار المحكم منظما. ويشرح حسين عيادي عن تجربته في جلب الماء من البئر التي كانت هدفاً للقناصة:
«كنا لما نعبي مي نعيّن الساعة 2 بنص الليل. بيكونوا نايمين. قلنا هني بشر ما بينعسوا؟ فى بير بعيد ومكشوف. كانت المره تروح لهونيك. قلتلها هالمرة أنا بدي أروح عنك. أخذت الحبل ورحت، ميت ويلاه وصلت للبير من شدة القصف، وأنا عم بنشل مي، علق السطل تحت. وأنا عم بشد فيه ولا جاي مره كردية قالت شو؟ قلتلها أعطيني سطلك أشد سطلي هاظ. ما أخذت السطل منها ولا تيجي فيها رصاصة. قالت أخ وصارت نصها تشد بالحبل قامت نزلت بالبير. لما شفت هيك قلت كنو القناص معين هون، قمت دشرت السطل وفليت».
بعد خمسة وخمسين يوماً أدرك الأهالي أن نهاية المخيم آتية لا محال، خاصة بعدما سقط جسر الباشا والكرنتينا. وفي صباح يوم خميس تجمع حسين وأهله وأقاربه وتوجهوا الى الدكوانة. وكانت المغادرة على دفعات، فأضاع كثيرون بعضهم على الطريق. أعار شقيق حسين ابنته الصغرى لحسين كي لا يراه عناصر الكتائب وحيدا فيقتلوه. وفي هذه الأثناء دخلت عناصر الكتائب وحزب الأحرار وحراس الارز الى المخيم، وكانوا يسيطرون على جميع الطرق المؤدية اليه بحيث لا يفلت منهم أحد. وهنا يكمل حسين عيادي شهادته:
«كانوا عاملين عالطريق كمين. والمسؤولون كانوا كل اثنين يروحوا من طريق عشان ما نظل مع بعض، إخواني راحوا وضوعنا بعض. كل عشر امتار قتيل. أنا كنت حامل البنت زي واحد سكران وماشي. في واحد كان معو بارودة (من المقاتلين اليمينيين) كان بدو يطخنا فصاب الزلمة. قامت إجري زلت (زحطت) عالممر ففلت الصباط من إجري ظليت ماشي ما حكي معي. بعدين كملت عالشارع، في شخص إسمو ممدوح أبوه من البداوي. كان بالهلال الأحمر لابس جاكيت بيضاء وحاطط تحت باطو كيس ورق. وصلنا عالكمين قالوا أهلا وسهلا بالدكتور! عامل حالك دكتور؟ قلّو دخيلك أنا ما دكتور، أنا شغيل. قلّو قرّب! حطّو حوالي 5 أمتار أشار إليه بالبارودة حتى صار بزاوية البناية وقتلو. وقع شي متر لورا. أنا ماشي.. بعدين قالولنا: قولوا عاش شمعون. نقول زي ما بدهم. مشيت. قلت بدي أطلّع وين وقع الزلمة، ولا كوم بنادمين مرمى عليهم. مشيت والبنت كامشها. في واحد لقدام كمين ثاني، لقيت مره كامشه مسدس بتقول: ولله محل إبني غير عشرة. إجا زلمي قدامي أحمد حميد، قالتلو أهلا أهلا إنت بتبيع أواعي؟ انت اللي كنت تيجي تبيع أواعي. صار يترجاها. قالتلو صف على جنب. قام صف وحط ايده على الحيط وقوصتو. واحدة ثانية إجت وحاملة مدقة كبة ضربته على راسو من ورا فطرق راسو بالحيط. قالتلنا كلكن بدكن تتفرجوا عليه. ظلت تضرب فيه بمهدة الكبة لحتى مات. قالت هذا محل إبني. بدي بعد تسعة. بعدين قالت روحوا يلعن أبوكوا. ويبزقوا علينا. ظلينا ماشين لوصلنا على ساحة الدكوانة».
كانت نقطة التجمع في مدرسة الدكوانة المهنية (الفندقية) على أن يتكفل الصليب الأحمر بنقل أهالي تل الزعتر الى بيروت الغربية. وبينما الأهالي ينتظرون يصف حسين بعض ما جرى هناك:
«قالوا يالله تعوا إطلعوا وتفرجوا على الزعيم تبعكم (علي سالم). طلّعوا الناس عالسّاحة: كانوا رابطينو من سيارة لسيارة، وشلخوه شلختين. وبعدين بس طلعنا صاروا يشدوا ناس: ياخذوا واحد من هون ومن هون. الناس تترجاهم، كل واحد طويل أو كان ناجي ومتخبي بين النسوان، رجعوا أخذوه. ظلينا هيك لإجت السيارات، صاروا يسبونا ويبصقوا علينا».
تتقاطع رواية حسين عيادي في هذا المشهد مع شهادات على لسان القتلة يظهرها شريط فيديو أعده المنفذون ونشروه على شبكة الانترنت. يعلق الراوي على صور الشاحنات التي تحمل اللاجئين مبرراً المجزرة بقوله:
«ما كان فينا نعمل غير هيك... لو ما حملوا سلاح بوجهنا ما كنا حملنا سلاح بوجهن، ولو ما عملوا متاريس وداروا رشاشاتهم صوبنا، ما كنا قوصنا عليهم. مش نحنا الموجودين عندهم انما هني اللي كانوا موجودين عنا، ومش نحنا اللي حرقنالهم بلادهم، انما هني اللي حرقولنا بلادنا. وبالرغم من كل اللي صار، طبقنا الأعراف الدولية واحترمنا الأنظمة العالمية وإجا الصليب الأحمر ونقلناهم من تل الزعتر... وبنطمنكم انو بكرة رح نعمل بغير تل الزعتر مثل ما عملنا بتل الزعتر. ورح ننقلهم من كل أرض لبنان.»
تظهر مشاهد الجرافات التي بدأت جرف المخيم على الفور وتسويته بالأرض. ثم يختتم الفيديو بمشهد السيارات وهي تدور بالأهالي في الساحة، لكن حسين عيادي يتابع رواية ما لم تصوره الكاميرا آنذاك فيقول:
«إجا نصيبي بسيارة. أخذونا من سن الفيل. يزتّوا علينا سطول الزبالة من البرندات، ويبزقوا علينا.. إهانات، ويسبونا مسبات ثقيلة. وكل 100 متر واحد مقتول مزتوت عالشوارع طول الطريق.. لوصلت عند اوتيل ديو. حد طرمبة بنزين كانوا هناك عاملين حاجز. قلت هون ما عاد في شي! قالوا يالله انزلوا عالطرمبة في تفتيش. فتنا عالطرمبة، مطرح ما بيغسلوا سيارات، وبلشوا يقوصوا على إجرينا. قالولنا: إمشوا الحيط الحيط. نمشي الحيط الحيط صف واحد. يسبوا علينا يقولولنا: يا عكاريت. إعملوا طابور زي ما كنتوا تعملوا طوابير. في الطرمبة مكتبة. واحد واقف هناك، كان معي شي 10 زُلم ، وكلهم معهم ولاد. وأنا كنت بالنص وفي خليل الطبش وغيره معي. قال يالله ولاه.. تعي ولي خذي الولاد من هون. إنت عالمكتبة. روحي من هون على ياسر عرفات تبعكم. إجا دوري. أنا بوصلتي لعندو وصلت شاحنة مليانة. إلتهوا فيها يالله إنزلو.. إنزلو. إتطلعت عالمكتبة من الطرف الثاني، كان الحيط مهبط وما في حدا. هو ملهي بالناس. قلت لأروح مع النساوين، إذا طخني زي بعضها. مشيت مع الأولاد. الله عمى قلبو. ما مشيت 10 امتار أو أكثر، ولاّ إلتقيت بمره. صارت تترجاني. خفت الزلمة يناديلي. قالتلي بدك تشيل الزلمة. ما حدا طلع غيرك. وحطتني أمام أمر واقع. قلتلها طولي بالك وأنا بحملك إياه، بس روقي شوية. أعطيتها البنت وأنا نزلت تحت الرصيف وشحطناه. الزلمي صحتو مليحة: ناصح، بس مشلول. وأنا ما فيني أشيل 10 كيلو. حملتوا ومشيت. وكانت الناس تقطع لصرنا قريب عالمتحف، عند سكة الترين. كانوا يقطعوا الناس، لوصلت أنا. قالوا بس اللي بيقطع رح نقوصو. نزل الزلمة وأعطتني البنت، بقينا نص ساعة. بعدين إجوا شي 15 واحد وصاروا ينقوا شباب من بين الناس ويصفوا اللي طلعوا على جنب. شوي ولا جاي مرة حاملة بنت صبية والدم عم ينزل من إجريها: مصاوبينها بإجريها، وقالت لواحد منهم اللي كانوا على الطريق: يا خالتي خليني أقطع بهالبنت. قلها شو كاينة بالحرب؟ قالتلوا لا كنا بالطرمبة وتصاوبت.. صارت تترجاه: الله يخليلك شبابك. قلها: روحي، بس إذا تقنصت ما دخلني. قالتلو: بسيطة ولا يهمك، بس خلينا نمر. بهذيك الفترة كنت أتطلع: عاملين متاريس على السطوح والبرندات على جنبنا. وكل ما يجي ولد طويل ياخذوه صوب اوتيل ديو وهذاك وجه الضيف. إجتني فكرة قلت للمرة شفتي المرة اللي قطعت ببنتها؟ قلتلي شفتها. قلتلها خلينا أحمل الزلمة بلكي قطعنا فيه. قالتلي لا. وصلتلي إياه لهون خلص يكثر خيرك، بعد علي شوي بقطع فيه. صرت أترجاها زي ما كانت تترجاني. عنّدت. أنا كان عمري شي 30 سنة، بعز شبابي. النسوان اللي جنبها صاروا يقولولها: هلق رح ياخذوه. أقنعوها. خليه يوصلّك اياه. بلكي بحسنتو بيطلع هالزلمة. قد ما نقّوا عليها النسوان، المرة لانت. قالت معليش. وكيف بدّك تشيلو وتشيل البنت؟ قلتلها: خلي البنت معاكي وإذا طلعنا طيبين، مصيرنا نتلاقى. قالت طيب وقبلت. الزلمة مشلول خالص وكبير بالعمر وما كان قصدي أقتل زلمة أو أعوره، قلت هلق إذا شافوني زلمة، بدهم يقنصوني أكيد.. لان هديك المرة نفذت لإنها مره. بس أنا لإني زلمة بدهم يقنصوني. قلت إذا بقنصوني بتطب بالزلمة على ظهري، بكون وصلت نص الطريق وبزحف للجهة الثانية ورا الدبابة اللي بوجهي. والله مشيت بالزلمة.. ربك حميد ما صار شي لورا الدبابة وقمت نزلته. وقام الزلمة نزل تحت بالقناية عاملينها عشان يفوتوا عالدبابة. طلع علي واحد سوداني وصار يشبّرلي ليه دبيته. قلتلو أنا ما دبيته... وبعد شوي جاي اسعاف.. حطونا فيو وعالغربية أنا والزلمي».
قصة حسين لم تــنته، فبـــعد قرابة 31 عاما على مجرزة تل الزعتر تكررت مأساته مع مشـــوار جديد من الألم عندما اندلعت الحرب بين «فتح الاسلام» والجيش اللبناني عام 2007 حيث دُمر منزله وبقية منازل المخيم تدميراً كليا من دون أن يكون لهم في هذه الحرب ناقـــة أو جـــمل. وما زال حســـين عيادي ينتظر إعمار منزله بعد 5 سنوات على تدميره تماما مثلما ينتظر ضحايا مـــجازر تل الزعتر وصبرا وشاتيلا العدالة.

* باحث فلسطيني مقيم في لبنان.
 3-
على الهامش :
وصلتُ الى لبنان في 22/7/1976 مع مجموعة من المقاتلين المتطوعين مُحملين بالعتاد والمواد الطبيّة عبر رحلة طويلة كتبت عنها سابقا ....
جرى تجميع معظمنا مع آخرين من مُقاتلي كل التنظيمات الفلسطينيّة واللبنانيّة الوطنيّة في منطقة عرمون الجبليّة المُطلة على بيروت من جهة المطار وخلدا لنكون على أُهبة الاستعداد للتدخل لإنقاذ اهلنا في تل الزعتر ...
ومع إشتداد الحصار رأت القيادة ان لا جدوى من المحاولة لان المخيّم ساقط من الناحيّة العسكريّة ولأن الجيش السوريّ الذي كان يقف مع المُحاصرين للمُخيّم قد يستدرج القوة الفلسطينيّة اللبنانيّة الموحدة الى مواجهة عسكريّة معه كانت القيّادة لا ترغب بها في ذلك الوقت املاً في تحيّيد الجيش السوري وهذا نفسه كان الموقف لاحقاً من معركة الجبل حين انسحبت القوات الفلسطينيّة واللبنانيّة قبل إنتهاء الانذار الموجه من قيادة الحيش السوري للقوى بإخلاء الجبل بساعات معدودة ... 
يوم سقوط تل الزعتر لم اتمالك انا ومجموعة من رفاقي الوضع وغادرنا موقعنا الى مخيم شاتيلا في بيروت حيث مكتبنا الرئيسيّ يقع هناك وعلمت هناك انه يجري تجميع الناجين من المخيم في منطقة بئر حسن والمدينة الريّاضية ويتم توزيعهم من هناك على المخيّمات الفلسطينيّة ...
وصلت المجموعة الاولى الى المكتب وكاد يّغشى على من كانوا هناك من هول المنظر....
شيّوخ عجزة ونساء واطفال دون ال 12 من عمرهم هم فقط الناجين من المذبحة وقد بانت عظامهم بعد ان ذاب ما يكسيها من هول الحصار والمجاعة وقلة الدواء والطعام والشراب ...
حين قدمنا لهم الطعام ...اذكر انني لاحظت ان اغلبهم اكل بكلتا يّديّه وكأنه يأكل للمرة الاولى في حيّاته 
لاحقا تم إسكناهم واحضرناهم الى المستودعات لاخذ ما يلزمهم من فرشٍ كان قد تم جمعه خلال الحرب ...
لم يأخذ احداً منهم اكثر من فرشة وبطانيّة ومخدة رغم توفر الكثير من المستلزمات التي تحتاجها اي اسرة تبدأ حياتها من الصفر...
بعدها تحول اسم الكتيبة من الكتيبة المشتركة لفك حصار تل الزعتر الى الكتيبة المشتركة للانتقام لاهل تل الزعتر ...
غادرت الكتيبة انا ورفاقي على الفور لقناعتنا ان من يّريد الانتقام او فك الحصار لا يّشكل كتائب موحدة ويّلزمها باتفاق على ايّ خطة عمل لكل القوى المشاركة بالكتيبة ولا تسألوني عن عدد تلك القوى فلم أعد اتذكر الرقم من كثرتها ...
التحقنا فورا في موقع متقدم على خطوط التماس مع القتلة حيث الرد لا يلزمه اخذ موافقة من احد ... حيثّ الاشتباكات والاحتكاك على مدار الساعة والجبهة لا تهدأ ...هناك كان الرد
يوسف 19/12/2012  
        
  

هناك 3 تعليقات:

  1. ما هو الفرق بين هانوي العرب وصبرا ، و شتيله و رامالله ، وكل المدن العربية ، و تل الزعتر ، لقد باعو الأرض والإنسان ، الزمن يتغير، الشعوب العربية بلشت تصحى ، أنا متفائل بن زمان التغيير قادم .

    ردحذف
  2. مخيّم اليّرموك .... ساقط عسكريّاً بكل المفاهيم القتاليّة
    الجيّش السوريّ منذ بدايّة الازمة لم يقترب من المخيّم
    لان من فيه يكفيهم ما هم فيه
    ولان من فيه اعلنوا صراحة انهم لن يكونوا طرفاً في الصراع

    لكن هناك من يّريد تحريك الميّاه الراكدة
    دخل المخيّم واعلن عبر الفضائيّات عن تحريره ...!!!
    وعن سقوط اخر موقع في المخيم ....مجمع الخالصة الطبي الرياضي ...الخ

    لم يتحرك احداً للضغط على ( المُجاهدين ) لمُغادرة المخيّم حرصاً على تجنيب ابناء شعبنا ويّلات الحروب والتهجير المتكرر

    والآن وعندما يطلب النظام السوريّ من المحتلين للمخيّم بمغادرته فوراً ..
    تقوم الدنيّا ولا تقعد ...ويُعتبر النظام السوري مسؤولا عن تهجير 100 الف لاجئ

    قبل اسبوع او اقل كتبت عن مشروع الكونفدراليّة وقلت ان مخيّم اليرموك يستعد لان يكون جزءاً من المشروع ..

    لا ولن أُدافع عن النظام السوري وقد كتبتُ بالامس عن تل الزعتر ودور الجيش السوريّ في سقوطه ولكن هل للمعارضة السوريّة هيّ الاخرى أجندة تتعلق بالمخيّمات

    قائد عسكري كبير منشق ظهر يكشف مواقع السلاح الكيماوي السوري ويقول ويؤكد ان لدى سوريّا من الاسلحة الكيماويّة ما يّعادل او يزيد عن القوة النوويّة الاسرائيليّة ...
    نسيّ ان يقول ان هذه الاسلحة هي الهدف الاول والاخير للحرب
    وللاسف هم يقولون .....
    وبعد ذلك لتذهب سوريّا ارضها وشعبها ومخيّماتها الى الجحيم
    وللاسف نحن نساعدهم على ذلك

    ردحذف