التسميات

الثلاثاء، مايو 24، 2011

الى جنوب لبنان ....خذوني معكم + الجزء2




لمن لم يقرأ الجزء الاول ويرغب بقراءته قبل ان يبدأ بالجزء الثاني فبإمكانه ان يجده هنا 

إلى جنوب لبنان ...خذوني معكم ...      الجزء الثاني 


دخلنا المياه الدولية منتصف النهار اللاهب وبدأ دوار البحر يفعل فعله خاصة وان الامواج تتقاذف المركب شمالا ويمينا ومعظم الشباب لا يعرفون عن سفر البحر شيئا.....
المركب او سفينة الشحن عبارة عن حاويّة كبيرة سفليّة وسطح السفينة ( الدك ) وهو عبارة عن الواح خشب تغطي الحاوية وفوقها شادر يغطي الواح الخشب وعلى اطراف السفينة وحولها منطقة عبارة عن حرف U باللغة الانجليزية بارتفاع متر تسمح بالوقوف حول الدك وبمواجهة البحر وفي مؤخرة السفينة درج الى غرفة القيادة وملحق بها غرفتين للنوم وحمام لاستعمال طاقم التشغيل
في الاعلى كان القبطان اليوناني ومساعده وضباط البحريّة بلباسهم المدني لمتابعة الاحداث اولا باول ... هم يؤدون واجبهم الوطني ويتحملون مسؤوليتنا الاربعمايّة مقاتل وشحنة السلاح المتطورة التي نحملها معنا وهيّ عبارة عن حمولة 4 طائرات بوينغ 727 مقدمة من العراق من مختلف انواع الاسلحة المتطورة وحمولة طائرتين مقدمة من الجزائر من الصوايخ المضادة للطائرات والتي تحمل على الكتف مع الاطقم البشرية الفلسطينية التي اكملت التدريب عليها هناك وحمولة كبيرة جدا من الادوية والمعدات الطبية مقدمة من جهات ودول صديقة اما القبطان اليوناني ومساعده فهمهم الاول ان نصل لانهم اصدقاء للشعب الفلسطيني وقضيته وثانيا ان هناك 100 الف دولار مكافأة بانتظارهم في حال وصولنا سالمين اما المركب او السفينة فاعتقد جازما ان ملكيته تعود بالآخر الى منظمة التحرير....طبعا خارج الاوراق الرسميّة
كانت المنظمة قد جربت قبل ذلك محاولتين في مركبيّن صغيريّن واحد دون حمولة والآخر حمولة طحين ونجح الاول في الوصول واغرق الثاني قبل وصوله بلحظات لعدم امتثاله لاوامر البحريّة الاسرائيلية بالتحول نحو ميناء حيفا للتفتيش ورغم المخاطرة العاليّة قررت القيادة المضيّ قدماً حيث ان الحصار السوري لم يترك خيارا اخر ومع الحاجة الماسة للامدادات مع الحصار القاسي الذي كان قد بدأ على الكثير من المخيمات والمواقع اهمها حصار مخيم تل الزعتر من قبل الكتائب مدعوما بالموقف السوري الداعم للكتائب وللحصار من خلال القوات السورية والتي تواجدت على ارض لبنان ضمن ما عرف بقوات الردع العربيّة والاسباب معروفة وهيّ ان الحركة الوطنية اللبنانية والتي يرأسها الراحل كمال جنبلاط والمتحالفة مع المقاومة الفلسطينية اكملت سيطرتها على %82 من الاراضي اللبنانيّة وبالتالي اصبح قيام نظام وطني في لبنان قاب قوسين او ادنى وهذا لن يعجب النظام السوري فهو لن يقبل ان يجاوره نظام وطني ثوري حقيقي يسحب منه ورقة اللعب في المنطقة والتي طالما عمل النظام السوري على الاحتفاظ بها حتى يحافظ على وجود نظامه من خلال الامساك بكل اوراق اللعب بين يديّه ...
لماذا اركز الآن على هذه النقطة لان التاريخ يعيد نفسه وليفهم الكل اسباب التعامل القمعي الوحشي من قبل النظام السوري مع حركة الاصلاح في سوريا ورفضه لاي اصلاح .


ما ان بدأت السفينة في الدخول الى المياه الغميقة وبدأت بالترنح يمينا وشمالا بدأ معظمنا بالاحساس بالدوار واخرج كل منا كل ما في معدته الى البحر وما هيّ الا دقائق حتى كان معظمنا قد ارتمى على ارض المركب في حالة اشبه ما تكون بالاغماء.... الحر الشديد ودوار البحر
من تمكن منا من المحافظة على اتزانه وانا واحد منهم ولاسباب لا تتعلق بالقوة والقدرة فقط ولكنني لم اكل كثيرا قبل الرحلة وكنت رغم صغر سني احتفظ ببنيّة قوية رغم نحافة جسمي ...وزني وقتها لم يزد يوما عن 56 كغم ...مما ساعدني انا والبعض على الصمود والصعود بالاستمرار الى غرفة القيادة واحضار الطعام والماء وبعض الادويّة للجميع
كنا قد قسمنا انفسنا على المركب الى مجموعات حسب الانتماءات التنظيمية...او حسب الدول التي قدم منها المتطوعون والمقاتلون وكانت مجموعتنا تتكون من حوالي 30  من المتطوعين اغلبنا من طلاب الجامعات وكنت انا من يتناوب مع متطوع اخر على احضار ما يلزمنا من الغذاء والماء....سندويشات وبعض المعلبات حيث ان المدة المفترضة للرحلة هيّ 24 ساعة فقط .
غابت الشمس وراء البحر الذي اصبح رفيقنا الدائم فهو كل ما حولنا وهدأ الجميع وسكنوا للنوم على سطح الدك بعد معاناة الحر والدوار ومرور نسيمات هواء البحر ليلا والتي ردت فينا الروح واعادت للكثير منا الاحساس بالحيّاة ....
نام البعض وهو يظن انه سيصحو فجراً ليرى الارض من جديد ولكننا صحونا  مع اشعة الشمس الحارقة لنجد انفسنا من جديد مكاننا.... هو اكيد ليس مكاننا ولكن المنظر نفسه ...لا جديد ولا شيء من حولنا ولم اشاهد منذ انطلقنا اي سفينة اخرى وعلى مرمى نظرنا .... صعدت للاعلى وجلست مع ضباط البحريّة وحصلت على كاسة شايّ وحوار بسيط علمت من خلاله ان السفينة غادرت ميناء الاسكندرية على انها سفينة شحن محملة بالسكر باتجاه اللاذقية في سوريا وعليها وحتى لا يكتشف امرها ان تقوم بالعديد من المناورات في عرض البحر من اجل التمويه وهذا ما يقومون به وانهم اضطروا لتغيير مسيرة السفينة اكثر من مرة وهذا سيؤدي الى اطالة امد الرحلة وبالتالي لن نصل قبل يوم اخر على الاقل هذا اذا سارت الامور على ما يرام وطلبوا مني ان ابلغ مسؤولي المجموعات بذلك حتى يصار الى تقنين الاكل والمياه وهذا ما كان
انقضى اليوم الثاني كما الاول اللهم انه كان اهدأ بالنسبة للجميع فقد اخذوا بالتعود ولم يعد دوار البحر مشكلة لمعظمنا وان كان الحر اللاهب خاصة وانه لا يوجد ما يقي من اشعة الشمس الحارقة والمباشرة على رؤوسنا وما ان حل الليل حتى كانت معنوياتنا مرتفعة جدا ونحن على ابواب تحقيق الحلم صباحا والوصول الى الشاطئ اللبناني

صباح اليوم الثالث عاودت الصعود وتفاجأت بالضباط والقبطان امامهم الخرائط والاجهزة والاسطرلاب ووجوههم متجهمة وعلمت منهم اننا فقدنا الاتجاه الصحيح خلال عملية التضليل واننا اصبحنا في عداد التائهين في عرض البحر وانهم يعملون بكل امكانياتهم العلمية وبمساعدة الاجهزة البدائية المتوفرة معهم على تحديد موقعنا ومن ثم معاودة الانطلاق باتجاه الساحل القبرصي وطلبوا مني ان لا اخبر الا مسؤولي المجموعات والتركيز على ان تمويننا من الاكل والماء على وشك النفاذ مما يتطلب مزيدا من الصبر والتحمل خاصة واننا في اجواء حارة جدا مما يتطلب المحافظة على ما تبقى من الماء حتى نحافظ على حياتنا املا في الوصول
انتكست المعنويات وقضيّنا اليوم الثالث دون اكل لعدم وجوده اصلا ولعدم وجود نفس لتأكل واصلا كانت الوجبة المخصصة لليوم التالث هي بيضة مسلوقة لكل شخصين واتذكر هنا ان مشكلة وقعت ضمن مجموعتنا حين وزعنا كل بيضة مسلوقة على شخصين حيث تعمدنا ان يختار كل واحد منا شريكه ومن ثم هما يختاران ما يفعلناه بتلك الوجبة حرصا على تجنب الخلاف ونحن ندرك حجم المعاناة واثرها على الكثيرين خاصة وان البعض لم يكن يدور في ذهنه حين رافقنا ان يواجه ما واجهناه قضم احدهم البيضة من جهة الصفار وابقى لشريكه البياض فقط مما اثار غضب شريكه المُستفز والمتضايق مما آل حالنا اليه فما كان منه الا وضربه بباقي البيضة وكاد ان يتسبب في شجار بينهما لولا قدرتنا على الفصل بينهما

وبينما كانت الشمس تختفي ونحن نراقبها ويحل الظلام الذي ينتظره الجميع طالما انه سيبعد الشمس الحارقة عن رؤوسنا واذا بنا نُفاجئ بالقبطان ومساعده من اعلى المركب يطلبان منا بكل لغات العالم ان ننبطح ارضا ونختبئ في منطقة الحرف U وفعلا هذا ما حصل خلال ثوانٍ معدودة وما هي الا لحظات وسمعنا هدير محركات طائرات الهليوكبتر فوق رؤوسنا ... لحظات صمت قاتل وهدوء لم تشهده السفينة منذ ان انطلقنا.... صوت الابرة كان يُسمع وصوت انفاسنا لم نعد نسمعها وكأنها انحبست بداخلنا
انها طائرات الهليوكبتر العائدة للاسطول السادس الامريكي فلقد دخلنا بالخطأ المياه الاقليمية للاسطول السادس الامريكي في عرض البحر الابيض المتوسط


يتبع.... ان شاء الله

حكايّة ليست من نسيج خيّالي
انها مما اختزنته ذاكرتي من حلو الايّام
 يوسف
24/05/2011









هناك 4 تعليقات:

  1. عن جد في بداية الامر فكرت انها قصة من نسج الخيال ولكن مع قراءتي لها اكتشفت انها قصة حقيقية .. هي مغامرة بالدرجة الاولى ، في انتظار الجزء الثالث ان شاء الله ..
    مافي اجمل من استرجاع الذكريات حتى ولو كانت صعبة او مؤلمة..

    دمت بخير وفي انتظار القادم ..

    ردحذف
  2. الأمر أصبح أكثر تشويقاا جداا ,ننتظر الباقي.
    وأسلوب حضرتك في السرد أكثر من رائعة
    شكراا

    ردحذف
  3. اخي يوسف نحن بحاجه ماسه لسرد مثل هذه الاحداث حتى نعي و نتعلم ما حدث لنا فربما استطعنا ان نتنبأ بما يمكن تن يحدث

    بلقيس

    ردحذف
  4. بحبك يا لبنان كثير كثير

    ردحذف